المسابقات التلفزيونـية.. أحلام الفقراء في مهب الريح
إذا كنت تبحث عن تحقيق أحلامك، فما عليك إلا ان تضغط على زر «إرسال» في هاتفك المحمول، ليتحول الحلم إلى واقع، وتجد منزل الاحلام أو سيارة فخمة أو ثروة طائلة بين يديك.. بمثل هذه العبارات باتت كثير من القنوات الفضائية تداعب أحلام المشاهدين، وتخلق في نفوس البسطاء الأمل بالتغلب على ظروفهم الصعبة وحياتهم القاسية بسهولة ويسر دون مجهود أو تعب، عبر مسابقات الهاتف التي انتشرت منذ فترة، واعتقد البعض انها «موضة» ستأخذ وقتها وتنتهي، إلا ان الواقع يشير إلى ان هذه المسابقات أصبحت تجارة رابحة وسوقاً رائجة يبدو انها تحقق مكاسب طائلة لأصحابها، وهو ما دفع المزيد من القنوات حتى الإذاعات للدخول في سباق استغلال الجمهور عبر هذه المسابقات، والغريب ان هذا الأمر لم يقتصر على القنوات الصغيرة والمغمورة، بل طال قنوات تتمتع باسم كبير وتاريخ طويل في مجال العمل التلفزيوني والإعلامي.
تطوير تجارب
ويعمل القائمون على هذه المسابقات من وقت لآخر على تطوير تجارتهم وأساليب جذب المشاهدين، فهناك قنوات تستعين بالنجوم والمشاهير لترويج فكرة المسابقة، سواء من نجوم الفن أو الرياضة، خصوصاً كرة القدم، الذين يتمتعون بشعبية واسعة لدى المشاهدين. بينما لجأت قنوات أخرى إلى أساليب تسويقية تقوم على شحن مشاعر المشاهد وتحميسه للمشاركة، من خلال عرض الجوائز التي تنتظره، والحديث عن مزاياها بإسهاب، وعرض مشاهد لأشخاص آخرين سبق وشاركوا في المسابقة، فتغيرت حياتهم بالكامل، ليشعر المشاهد بأن احتمالات الفوز ليست بعيدة، وان الأمل ليس مستحيلاً. في حين لجأت قنوات إلى طرح اسئلة على المشاهدين تتم الاجابة عنها عبر رسائل نصية، وفي النهاية يفوز صاحب الاجابة الصحيحة، وبالطبع تكون الاسئلة سهلة إلى حد السذاجة، لتشجيع أكبر عدد ممكن من المشاهدين على إرسال الاجابات، والمشاركة في المسابقة، فالمكسب كله يعتمد على عدد الرسائل التي تتلقاها القناة، والتي لابد ان تصل إلى عدد معين حتى تخرج الجائزة، بعد ان تضمن القناة وشركة الاتصالات تحقيق هامش الربح المتفق عليه، اعتماداً على لعبة الاحتمالات، حيث يكون احتمال الفوز واحداً مقابل 50 ألف مشارك على سبيل المثال. وفي الوقت الذي لجأت القنوات الرياضية للاستفادة من المباريات المختلفة، خصوصاً التي تجمع بين فرق ذات جماهيرية واسعة، إلى حث الجمهور لإرسال توقعاته لنتائج المباراة عبر الرسائل النصية قبل ان تبدأ، والفوز بالجوائز في حال وافقت التوقعات النتائج الفعلية، اتجهت قنوات لتطبيق الفكرة ذاتها للاستفادة من الأحداث الجارية التي يشهدها العالم العربي، من خلال طرح اسئلة عن الأوضاع الراهنة وتوقعات المشاهدين لما يحدث بطريقة فجة تعكس مدى تحكم الحس التجاري بالقائمين على هذه القنوات والمسابقات، لدرجة ان احدى القنوات استغلت نزاعاً طائفياً في بلدة صغيرة في الدولة التي تبث منها ارسالها، لتطرح على المشاهدين سؤالاً حول توقعاتهم إذا ما كان هذا النزاع بداية لاندلاع حرب أهلية في الدولة أم لا.
تناقضات
أيضاً من التناقضات التي تشهدها سوق المسابقات الهاتفية والتلفزيونية، اتجاه بعض الدعاة وأصحاب الفتوى الشرعية لتحريمها باعتبارها نوعاً من القمار، لانها تعتمد على التوقعات والتخمينات، ورفضهم لها رفضاً قاطعاً، في الوقت نفسه اتجهت قنوات «دينية»، يشرف عليها ويعمل فيها من يطلق عليهم «دعاة»، لدخول سباق المسابقات، وحث المشاهدين طوال الوقت على ارسال الرسائل النصية للإجابة عن اسئلة تطرح خلال البرامج، وهو ما يعد تناقضاً صارخاً مع آراء العلماء الذين افتوا بتحريم هذه المسابقات منذ ظهورها على الشاشات العربية، ويطرح اسئلة جادة حول مدى التزام بعض القنوات التي تصطبغ بصبغة دينية بالدين وفتاوى وآراء العلماء. من جانب آخر، اعتبر مشاهدون ان هذه المسابقات ما هي إلا وسيلة لتحقيق ارباح تجارية للقناة. وبينما استغرب البعض اتجاه بعض القنوات المعروفة إلى هذا النوع من التجارة، وجد آخرون انه من الطبيعي ان تسعى كل قناة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية، لانها في النهاية مشروع تجاري، حتى وان حمل صبغة اعلامية، وهذه المكاسب تتيح للقناة شراء حقوق عرض او انتاج أعمال درامية متميزة، واستضافة نجوم كبار، أي في النهاية يتكامل الشق الاعلامي والدرامي مع الشق التجاري.
من خلال تجربته مع هذه النوع من المسابقات، انتقد محمد نور الدين، موظف، غياب الشفافية عن بعض المسابقات، مثل عدم ذكر تكلفة الرسالة النصية، وأحياناً جر المتصل في حالة الاجابة عبر اتصال هاتفي إلى اجراء مكالمة طويلة، ينتقل فيها من مرحلة لأخرى، ويجيب في كل مرحلة عن عدد من الأسئلة، وفي النهاية يخبرونه بأن عليه ان ينتظر نتيجة القرعة مع غيره من الذين اجابوا إجابات صحيحة. في حين قالت سلمى حمود، معلمة، إنها سبق وشاركت في المسابقات التي اطلقتها قناة فضائية كبرى، وقامت بإرسال عدد كبير من الرسائل النصية، حتى تضمن فرصاً أكبر في الفوز، بحسب ما ذكر القائمون على المسابقة، ولكنها في النهاية لم تحصل على شيء، وفقدت كل ما انفقته على الرسائل، وهو مبلغ كبير، ومن بعدها اتخذت قرارا بعدم المشاركة في ايه مسابقات اخرى.ويرى أحمد سالم، محاسب، ان هذه المسابقات لا تحقق أي فائدة تذكر للمشاهد، فهي وسيلة للكسب دون مجهود تلجأ اليها الفضائيات، وفي الوقت نفسه، تنشر قيماً سلبية في المجتمع، مثل البحث عن الكسب السريع دون تعب او عمل، والتواكل، والإسراف وحب المظاهر، لذا سلبياتها اكبر من ايجابياتها. في المقابل، تجد هدى، طالبة، انه لا ضرر في ان يشارك الشخص في المسابقات، على ان يختار قناة او إذاعة معروفة، ولها صدقية، لانها لن تغامر بسمعتها وتطلق مسابقة وهمية، معتبرة ان الأمر نوع من المغامرة، وان الحياة لا تخلو من المفاجآت السعيدة أحياناً.
إحصاءات
تشير إحصاءات عربية إلى أن برامج المسابقات هي الأعلى مشاهدةً في الدول العربية، خصوصاً في أوقات ذروة المشاهدة. كما كشف استطلاع اجراه مركز بحوث الرأي العام بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، أن نسبة مشاهدة برامج المسابقات بلغت 37.5٪ من العيّنة، منها 18.7٪ يشاهدونها بصفةٍ منتظمة، و13.4٪ أحياناً، و5.3٪ نادراً.كما تشير إحصاءات ـ غير رسمية ـ إلى أن ما ينفقه السعوديون وحدهم على الرسائل النصية المرسلة للقنوات الفضائية والإذاعية يتجاوز ثلاثة ملايين ريال سعودي يومياً.