“أفيش وفيلم” معرض يرصد تاريخ صناعة السينما في مصر
بدأ ظهور فكرة الأفيش السينمائي في مصر على يد الأجانب المقيمين وتحديداً اليونانيين الذين كان كثير منهم يعمل في مجالات مثل الرسم والتصوير الفوتوغرافي.
منذ بداية ظهور السينما صاحبها تألق لمجموعة من الفنون المرتبطة والمتصلة بها بشكل وثيق، بينها الأفيش السينمائي الذي يمثل التعارف الأول بين الجمهور والفيلم، وعادة ما يظهر الأفيش قبل عرض الفيلم بفترة ليمثل الدعاية الأساسية التي تعمل على جذب الجمهور لمشاهدة الفيلم في قاعات السينما.
كانت السينمات الشهيرة في مصر تتزين بأفيشات الأفلام المعروضة على واجهاتها، كما تعرض بالداخل أفيشات الأفلام التي ستعرض لجذب الجمهور لحضورها مع بداية عرضها، وإلى الآن لا يزال الأفيش حاضراً بقوة في صناعة السينما في العالم كله على رغم الاختلاف الكلي في صناعته، التي انتقلت من الاعتماد على الرسم اليدوي والكتابة بواسطة الخطاطين إلى الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في كافة مراحل تصميم وطباعة الأفيش.
واحتفاء بأفيشات السينما المصرية ورصداً لمراحل تطورها يقام حالياً معرض “أفيشات وأفلام” بغاليري بيبليوتيك بالقاهرة حيث يعرض مجموعة نادرة من الأفيشات تمثل الفترة من بدايات ظهور السينما في مصر وانتهاء بفترة أوائل السبعينيات، من خلال هذه المجموعة يمكن تتبع كيف بدأ الأفيش السينمائي في مصر وكيف تطور مع الزمن وتطور صناعة السينما ذاتها؟
المعرض من تنسيق إسماعيل فايد والمجموعة المعروضة من مقتنيات الفنان الراحل بيير سيوفي، الذي كان من أهم جامعي التراث السينمائي، حيث تقدر مجموعته من الأفيشات بنحو ألف أفيش كلها أعمال أصلية يعرض جزء منها في المعرض الحالي.
يمكن من خلال تتبع تاريخ الأفيشات رصد ملامح معينة لصناعة السينما في مصر، فهناك فترات ازدهرت فيها الثنائيات السينمائية مثل ليلي مراد وأنور وجدي، وفترات أخرى كانت البطلات من النساء ظاهرة سائدة بعكس الواقع حالياً فنجد البطلة صورتها منفردة على الأفيش مثل شادية ونادية لطفي وسعاد حسني.
ومن الملاحظ أيضاً أن بعض الأفيشات خلت من أي صورة للنجوم مثل فيلم “بين القصرين” المأخوذ عن الرواية الشهيرة لنجيب محفوظ، فالأفيش عليه صورة للقاهرة التاريخية التي تدور فيها الأحداث وفقط. فالكاتب والرواية هنا أبطال مثل النجوم الذين جسدوا الشخصيات.
تقول مسؤولة المعرض سنابل بدر الدين، يضم المعرض مجموعة من الأفيشات ترصد تطور فن الأفيش منذ بداية ظهور السينما التي بدأت بتصوير مقاطع قصيرة ثم ظهرت السينما الصامتة وبعدها يتم إنتاج أول فيلم ناطق في مصر في حقبة الثلاثينيات من القرن العشرين. لتبدأ السينما المصرية في الازدهار والتألق.
تضيف، يقدم المعرض رصداً لتطور فن الأفيش حتى مرحلة بداية السبعينيات مع فيلم “خلى بالك من زوزو”، لاحقاً سيتم إقامة جزء آخر للمعرض ذاته لرصد تطور أفيشات السينما المصرية في العصر الحديث ومدى الاختلاف الذي طرأ عليها.
توضح مسؤولة المعرض، حاولنا في انتقائنا للأفيشات المعروضة ألا تعبر فقط عن فترة معينة ولكن كان لها انعكاس أو علاقة بأحداث اجتماعية أو سياسية سائدة في خلال هذه الفترة، والأمثلة على ذلك كثيرة، فمثلاً فيلم “شيء من الخوف” من بطولة شادية وإخراج حسين كمال تم إنتاجه أواخر الستينيات فترة النكسة التي رأى البعض حينها أنها معبر عنها بشكل ما.
تتابع، من الأفلام التي كان لها دور في طرح قضية اجتماعية مهمة فيلم “مراتي مدير عام” لشادية وصلاح ذو الفقار، حيث ناقش قضية عمل المرأة التي كانت آخذة في الانتشار في هذا الوقت فالسينما ليست منفصلة عن الواقع.
فنانو الأفيش
منذ بداية ظهور السينما بدأ ظهور فكرة الأفيش السينمائي على يد الأجانب المقيمين في مصر، تحديداً اليونانيين الذين كان كثير منهم يعمل في مجالات مثل الرسم والتصوير الفوتوغرافي، وهم أول من قدم فكرة الأفيش.
لاحقاً مع انتشار السينما في مصر تطور فن الأفيش وكان له فنانون متخصصون اشتهرت أسماء بعضهم في تاريخ هذا الفن مثل مرسيل وجسور وأنور علي ومرتضي وغيرهم.
وعلى رغم انتشار أعمال فناني الأفيش فإنهم نادراً ما تعرفهم الجماهير العريضة، فهم يعملوا في الظل على رغم أهمية منتجهم الفني في نجاح الفيلم وتحقيقه لإيرادات كبيرة. فالأفيش قد يجذب الجمهور ويثير فضولهم وقد يصرفهم تماماً عن دخول الفيلم، ومن الملاحظ عدم اتجاه الفنانين التشكيليين إلى هذا المجال باستثناءات محدودة جداً أشهرها رسام الكاريكاتير الراحل مصطفي حسين الذي رسم عدداً محدوداً من الأفيشات لأفلام مثل “سوبرماركت”، “إلى المأذون يا حبيبي”، و”شيلنى وأشيلك”.
تقول سنابل، الأفيش بالنهاية عمل دعائي للفيلم يتم تنفيذه وفق متطلبات معينة تحقق هذا الغرض، بالطبع يتم مراعاة الشكل الجمالي والمعايير الفنية، ولكن بالنهاية الهدف منه هو الترويج للفيلم وتشجيع الجمهور على مشاهدته، ففنان الأفيش لديه هدف محدد من العمل وعليه توظيف كافة العناصر لتحقيقه، ويختلف هذا بصورة كبيرة عن طبيعة الفنان التشكيلي الذي تكون له رؤية فنية يرغب في تقديمها للجمهور في المقام الأول ولا يرغب في أن يتقيد بشيء معين، فطريقة تفكيره مختلفة وبالتالي منتجه الفني مختلف.
تضيف، عند مشاهدتنا حالياً لأرشيفات أفيشات السينما المصرية القديمة التي لم نعاصرها فإننا ننظر لها بنظرة مختلفة كلياً، فهي الآن تجاوزت مفهوم الدعاية للفيلم وأصبحت واحدة من مصادر التعرف إلى طبيعة الفترة الزمنية التي تمثلها من حيث الجوانب الاجتماعية والفنية والسياسية وطبيعة الموضوعات التي تطرحها السينما في هذا الوقت.
تتابع، من اللافت مثلاً أن فترة النكسة في الستينيات كان الغالب على الأفلام هو الكوميدي وليس الأفلام الوطنية التي كانت موجودة بنسبة قليلة وازدهرت في السبعينيات. ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أن أفيشات السينما المصرية منذ بدايتها وحتى فترة أواخر الستينيات أو السبعينيات كان لها الأسلوب نفسه في الرسم والتلوين والشك
رقابة المجتمع
ربما يمكن القول إن السينما تطورت بشكل كبير في إطار التقنيات المستخدمة ولكن مساحة الحريات تقلصت بدرجة كبيرة ليس بالضرورة بفعل الرقابة الرسمية من الجهات المتخصصة، ولكن بفعل الرقابة المجتمعية وتغير فكر المجتمع من ناحية تقبله أو عدم تقبله لأفكار معينة.
هذه الحال انعكست على الأفيش كجزء من صناعة السينما، فبعض أفيشات الأفلام القديمة عندما نطالعها حالياً نجد بها كثيراً من الجرأة التي لن يتقبلها المجتمع حالياً، ولو ظهر أفيش مشابه سيكون محل سجال ورفض وسيعاني الفيلم وصناعه من أزمات متعددة ربما تدفع لفشله قبل نزوله في دور العرض.
يذكر الناقد السينمائي محمود قاسم في مقدمة كتاب “أفيش السينما المصرية” الصادر عن دار الشروق أنه في بعض الفترات كانت الرقابة الاجتماعية أكثر تشدداً من نظيرتها الرسمية، وأن هناك حوادث لأفيشات قصف بعضها بالطين في الشوارع أو تم تغطية أجزاء من أجساد فنانات على الأفيش، ومن أشهرها عام 1968 مع عرض أفيش فيلم “شهر عسل بدون إزعاج” من بطولة ناهد شريف وحسن يوسف، إذ ظهرت البطلة عارية الظهر ليقوم بعض الأشخاص بتغطية ظهرها العاري مع بداية ظهور هذا التوجه بعد نكسة 1967.
تقول بدر الدين، الأفيش معبر عن المجتمع وعن جانب من تقبله لأشياء أو أفكار معينة، وبالفعل كثير من الأفيشات القديمة عندما نشاهدها الآن قد لا يتقبلها الناس حالياً ولكنها تعبر عن طبيعة المجتمع وطبيعة الرقابة سواء الفنية من خلال الجهة المختصة أو المجتمعية من خلال الجمهور، فمفهوم الفن وقيم المجتمع تتغير مع الزمن، فلاحقاً ظهرت مصطلحات مثل السينما النظيفة التي وضعت ضوابط وقيوداً على المحتوى المقدم في الأفلام وبالتالي انعكس هذا على الدعاية المقدمة لها من خلال فن الأفيش.